حق المسلم على المسلم خمس



الرواية الأولى في البخاري ولفظه: حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس.

 والرواية الثانية لمسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ . قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ.

1. فرَدّ السلام واجب:
إذا كان السلام على واحد ، وإذا كان على جماعة كان فرضا على الكفاية ، أما ابتداء السلام فالأصل فيه أنه سنة ، جاء في "الموسوعة الفقهية" (11/314) :
" ابْتِدَاءُ السَّلاَمِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ ) وَيَجِبُ الرَّدُّ إِنْ كَانَ السَّلاَمُ عَلَى وَاحِدٍ . وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ فَالرَّدُّ فِي حَقِّهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ ، فَإِنْ رَدَّ أَحَدُهُمْ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ ، وَإِنْ رَدَّ الْجَمِيعُ كَانُوا مُؤَدِّينَ لِلْفَرْضِ ، سَوَاءٌ رَدُّوا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبِينَ ، فَإِنِ امْتَنَعُوا كُلُّهُمْ أَثِمُوا لِخَبَرِ ؛ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ : رَدُّ السَّلاَمِ . . . " انتهى .
2. وأما عيادة المريض:
ففرض كفاية ، قال الشيخ ابن عثيمين : " عيادة المريض فرض كفاية " . "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13 /1085)
3. وأما تشييع الجنازة:
ففرض كفاية أيضا ، راجع جواب السؤال رقم : (67576) .
4. وأما إجابة الدعوة :
فإن كانت إلى وليمة عرس فالجمهور على وجوب إجابتها إلا لعذر شرعي . أما إن كانت لغير وليمة العرس فالجمهور على أنها مستحبة ، ولكن يشترط لإجابة الدعوة ـ عموما ـ شروط ، راجع لمعرفة ذلك بالتفصيل جواب السؤال رقم : (22006) .
5. وأما تشميت العاطس فقد اختلف في حكمه :
"وَهَذَا التَّشْمِيتُ سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ . وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَابِلَةِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ وَاجِبٌ . وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ . وَنُقِلَ عَنِ الْبَيَانِ أَنَّ الأَشْهَرَ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ ، لِحَدِيثِ " كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ " انتهى.
وأظهر الأقوال أنه واجب على من سمع حمد العاطس لله ؛ لما رواه البخاري (6223) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ ) . قال ابْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَفِيهِ " فَإِذَا عَطَسَ أَحَدكُمْ , وَحَمِدَ اللَّه , كَانَ حَقًّا عَلَى كُلّ مُسْلِم سَمِعَهُ أَنْ يَقُول : يَرْحَمك اللَّه " . وَتَرْجَمَ التِّرْمِذِيّ عَلَى حَدِيث أَنَس ( بَاب مَا جَاءَ فِي إِيجَاب التَّشْمِيت بِحَمْدِ الْعَاطِس ) وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِب عِنْده , وَهُوَ الصَّوَاب , لِلْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَة الظَّاهِرَة فِي الْوُجُوب مِنْ غَيْر مُعَارِض وَاَللَّه أَعْلَم .

فَمِنْهَا : حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَمِنْهَا : حَدِيثه الْآخَر " خَمْس تَجِب لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَمِنْهَا : حَدِيث سَالِم بْن عُبَيْد , وَفِيهِ " وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْده : يَرْحَمك اللَّه " . وَمِنْهَا : مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ عَلِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِم سِتّ بِالْمَعْرُوفِ : يُسَلِّم عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ , وَيُجِيبهُ إِذَا دَعَاهُ , وَيُشَمِّتهُ إِذَا عَطَسَ وَيَعُودهُ إِذَا مَرِضَ وَيَتْبَع جَنَازَته إِذَا مَاتَ , وَيُحِبّ لَهُ مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ " وَقَالَ هَذَا حَدِيث حَسَن قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْر وَجْه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضهمْ فِي الْحَارِث الْأَعْوَر , وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَأَبِي أَيُّوب وَالْبَرَاء , وَأَبِي مَسْعُود . وَمِنْهَا : مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي أَيُّوب . أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِذَا عَطَسَ أَحَدكُمْ فَلْيَقُلْ : الْحَمْد لِلَّهِ , وَلْيَقُلْ : عَلَى كُلّ حَال , وَلْيَقُلْ الَّذِي يَرُدّ عَلَيْهِ يَرْحَمك اللَّه , وَلْيَقُلْ هُوَ : يَهْدِيكُمْ اللَّه وَيُصْلِح بَالكُمْ " .
فَهَذِهِ أَرْبَع طُرُق مِنْ الدَّلَالَة . أَحَدها : التَّصْرِيح بِثُبُوتِ وُجُوب التَّشْمِيت بِلَفْظِهِ الصَّرِيح الَّذِي لَا يَحْتَمِل تَأْوِيلًا . الثَّانِي : إِيجَابه بِلَفْظِ الْحَقّ . الثَّالِث : إِيجَابه بِلَفْظَةِ " عَلَى " الظَّاهِرَة فِي الْوُجُوب . الرَّابِع : الْأَمْر بِهِ , وَلَا رَيْب فِي إِثْبَات وَاجِبَات كَثِيرَة بِدُونِ هَذِهِ الطُّرُق , وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم" انتهى من "حاشية ابن القيم على سنن أبي داود" (13/259) .
وقال أيضا : " فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمَبْدُوءِ بِهِ: أَنَّ التَّشْمِيتَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ الْعَاطِسَ يَحْمَدُ اللَّهَ، وَلَا يُجْزِئُ تَشْمِيتُ الْوَاحِدِ عَنْهُمْ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ، وَاخْتَارَهُ ابن أبي زيد، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيَّانِ، وَلَا دَافِعَ لَهُ." انتهى من "زاد المعاد" (2/437) 

6. أما نصحه إذا استنصحه :
فالأظهر في النصيحة أنها واجبة على الكفاية . قال ابن مفلح رحمه الله : " وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ وُجُوبُ النُّصْحِ لِلْمُسْلِمِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ ذَلِكَ ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْإِخْبَارِ .. " انتهى من "الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/307) .

وقال الملا علي القاري رحمه الله : " (وإذا استنصحك) أي طلب منك النصيحة (فانصح له) وجوباً، وكذا يجب النصح وإن لم يستنصحه " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (5/213) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى الْحَقِّ هُنَا الْوُجُوب ، خلافًا لقَوْل بن بَطَّالٍ الْمُرَادُ حَقُّ الْحُرْمَةِ وَالصُّحْبَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا وُجُوبُ الْكِفَايَةِ " انتهى من "فتح الباري" (3/113) .
والله تعالى أعلم .


الإبتساماتإخفاء