أم المؤمنين

 
عايشه بنت ابي بكر الصديق رضي الله عنها:
 
أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة، زوجة رسول الله، فقيهة نساء الأمة، فصيحةٌ عالمةٌ بالأدب والدين والطب. أمها أم رومان زينب بنت عامر الكِنانية، ولها من الإخوة عبد الرحمن أخوها الشقيق، ولها من أبيها عبد الله وأسماء ومحمد.
 
كانت عائشة رضي الله عنها وأهل بيتها من النفر الذين أسلموا أول الدعوة، تقول: «لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدِّين».
 
كان لها المنزلة الرفيعة والمكانة العظيمة عند رسول الله، خطبها في مكة بعد وفاة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وتزوجها في المدينة، ولم ينكح بِكراً غيرها. أحبها حباً شديداً، فكانت تقول له: «كيف حبّك لي؟» فيقول: «كعقدة الحبل»، فكانت تسأله دوماً: «كيف العقدة يا رسول الله؟» فيقول «هي على حالها».
 
هاجرت رضي الله عنها إلى المدينة مع أمها وأختها أسماء، خرج بهنّ عبد الله بن أبي بكر، وصادفوا في طريق الهجرة زيد بن حارثة وأبا رافع مولى رسول الله خارجين بفاطمة وأم كلثوم بنتي رسول الله وسودة بنت زمعة زوجته.
 
شاركت رضي الله عنها في معارك الإسلام الأولى، فكانت في غزوة أُحد تسقي الجرحى، وتحمل قرب الماء على عاتقها. وكذلك شاركت في غزوة بني المصطلق، واتُهِمَتْ عند عودتها من هذه الغزوة ـ حقداً وبهتاناًـ بحادثة الإفك، فامتحن الله بها إيمانها فصبرت محتسبة، وهي تعلم أن الله لن يضيّعها وسيبرئها. وكان وراء إشاعة هذه الحادثة المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أُبيّ بن سلول. وقد أنزل الله براءتها في القرآن.
 
في معركة الجمل لم تكن رضي الله عنها تريد حرباً، وما كانت تشعر اتّجاه عليّ بن أبي طالب بعداوة أو خصومة، ما خرجت إلا بهدف الإصلاح بين الناس مقتديةً بقوله تعالى: ]وإنْ طَائِفَتَان منَ المُؤمنين اقتَتَلوا فَأصلِحُوا بَينَهُما[. وقد قيل إنها كانت عازمة على الرجوع لمّا بلغت مياه بني عامر، فقال لها بعض من كان معها: «بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم».
 
وملخص الخبر أن قتلة عثمان بن عفان هربوا إلى العراق، فانقسم الناس قسمين، منهم من يريد الثأر مباشرة، وفيهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، ومنهم من يريد التَّريث، وفيهم عليّ بن أبي طالب. فسار الصحابيان الجليلان طلحة والزبير إلى عائشة رضي الله عنها، وكانت في طريق عودتها من الحج؛ لتتوسط لدى الخليفة عليّ في القصاص من قتلة عثمان، ولمّا أخفقوا في ذلك لحقوا جميعاً بالبصرة من أرض العراق، وتبعهم الخليفة عليّ بن أبي طالب خارجاً إلى البصرة، فنزل بذي قار وأرسل القعقاع بن عمرو ليصلح بين الطرفين، فقام القعقاع بوساطة حكيمة، وتمّ الصلح بينهما على أنهم إذا تمكّنوا طلبوا قَتَلَة عثمان، فتابع عليّ بن أبي طالب طريقه ونزل البصرة، فالتقى الفريقان واتفقوا على وضع الحرب. حينئذٍ خشي القتلة من اتفاق عليّ وطلحة والزبير وعائشة، فحملوا على عسكر طلحة والزبير، فظنّا أن علياً حمل عليهم، وحملوا على معسكر عليّ الذي راح يدافع ظنّاً أن الآخرين قد غدروا بهم، وهكذا أنشبوا الحرب بين الفريقين، فلا علي أراد قتالاً، بل نادى: «من ألقى سلاحه فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن»، ولا عائشة رضي الله عنها ومن معها أرادوا قتالاً، بل كانت راكبةً هودجها لا قاتلت ولا أمرت بقتال، وكان كبار الصحابة يخافون عليها، ولاسيما عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه الذي أمر بالعودة إلى المدينة فاستجابت لذلك، فبعث معها أخاها عبد الرحمن وثلاثين رجلاً وعشرين امرأة ألبسهنّ العمائم وقلدهنّ السيوف، وقال لهن: «كنّ اللاتي تلين خدمتها وحملها». ولمّا وصلت إلى المدينة وعلمت بهذا قالت: «ما ازددت والله يا بن أبي طالب إلا كرماً، ووددت أني لم أخرج».
 
كانت عائشة رضي الله عنها من أكرم أهل زمانها، ولها في السخاء أخبار كثيرة منها أن معاوية بن أبي سفيان بعث إليها يوماً مئة ألف درهم، فما غابت شمس ذلك اليوم حتى وزعتها، فقالت مولاة لها: «لو اشتريت لنا من هذه الدراهم بدرهم لحماً»، فقالت عائشة: «لو قلت قبل أن أفرّقها لفعلت». وكانت على دراية واسعة بأسرار الأحكام والتشريع، إضافة إلى معرفتها الأمورَ الاجتماعية والسياسية، يقول مسروق: «رأيت مشيخة أصحاب رسول الله الأكابر يسألونها عن الفرائض». ويقول عطاء بن رباح: «كانت عائشة رضي الله عنها أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً في العامة».
 
عُرِفَتْ بالفصاحة والبلاغة والعلم بالشعر، يقول عروة بن الزبير: «ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا بطبٍ ولا بشعرٍ من عائشة، ما كان ينزل بها شئ إلا أنشدت فيه شعراً».
 
كانت من المكثرين في الرواية، روت من الأحاديث 2210، وممن روت عنهم أبوها وعمر بن الخطاب وفاطمة بنت رسول الله وسعد بن أبي وقّاص وغيرهم، وروى عنها أبو هريرة وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم جميعاً. وروى عنها من التابعين كُثر منهم: سعيد بن المُسيَّب، عمرو بن ميمون، مسروق بن الأجدع.
 
ماتت رضي الله عنها في السابع عشر من رمضان، ولها ستٌ وستون سنة، فاجتمع الناس للصلاة عليها، فلم تُرَ ليلةٌ أكثر ناساً منها، وصلّى عليها أبو هريرة، ودفنت في البقيع.


الإبتساماتإخفاء