‏إظهار الرسائل ذات التسميات من_هو. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات من_هو. إظهار كافة الرسائل

فتح الله غولن

’’يعيش غولِن، الان، في منفى اختياري في ولاية بنسلفانيا الأميركية حيث يترأس شبكة ضخمة غير رسمية من المدارس والمراكز البحثية والشركات ووسائل الإعلام في خمس قارات‘‘
من هو فتح الله غولن؟
ولد "عبدالله غولن" في قرية بمحافظة أرضروم شرق البلاد يوم 27 أبريل/ نيسان 1941. وتلقى تعليما دينيا منذ صباه، إضافة لعلم الفلسفة وغيرها، كما اطلع على الثقافة الغربية وأفكارها وفلسفاتها إلى جانب الفلسفة الشرقية. وفي أثناء دراسته تعرف على رسائل النور التي ألفها سعيد النورسي (أحد أبرز علماء الإصلاح الديني والاجتماعي في عصره) وتأثر بكتاباته وسيرته الشخصية حتى أنه عزف عن الزواج تشبهاً به وتفرغاً للدعوة.

وفي العشرين من عمره، عُين غولن إمام جامع في مدينة إدرنة (شمال غرب) لكنه بدأ عمله الدعوي في مدينة إزمير، وانطلق بعدها ليعمل واعظا يلقي الخطب والمواعظ في جوامع غرب الأناضول، كما رتب محاضرات علمية ودينية واجتماعية وفلسفية وفكرية.

وخلال النصف الثاني من القرن الماضي، كان كولن من الرواد الذين كونوا الجيل الثاني من الحركة النورسية بعد تفرقها، منشئاً ما سمي لاحقاً بحركة "الخدمة" أو "جماعة كولن" التي تعتبر أحد أهم وأقوى فرق الجماعة الأم

ماهي حركة غولن؟
هي جماعة إسلامية تنسب للحركة الصوفية، قام غولن بتشكيل نواتها الأولى أوائل عام 1970 بمدينة إزمير، قبل أن تتوسع لتصبح حركة لها أتباعها داخل تركيا وخارجها. وتعتمد في مرجعيتها على الفكر والقائد معا، وأهم ما يطبعها أنها اجتماعية وقومية، تركز على مسلمي تركيا وتنزوي عن باقي الهويات الإسلامية، ولديها انفتاح على الغرب خاصة.

خمسة عوامل تمثل اهداف جماعة غولن
يرى الباحث العربي، حسين الرواشدة، في بحث له عن الجماعة، بأن جماعة "كولن" تشكل خطرا لافتاً على الدول العربية، مشيرا الى انها في الجانب الديني تقدم تصوراً مختلفاً للدين يقوم على "التقية" لتحقيق اهدافها دون النظر لأحكام الحلال والحرام (الحجاب ودفع الرشوة مثلاً) الأمر الذي يثير مزيداً من الأسئلة حول "تحولاتها" على صعيد الانتشار في البلدان العربية، وخاصة بعد "صراعها الاخير مع اردوغان.
ويوضح الرواشدة، بأنه حين ندقق في طبيعة الجماعة وانتشارها، نكتشف من خلال قراءة فاحصة لأهدافها وتجربتها ان ثمة خمسة عوامل –على الاقل- تقف وراءه:

أولاً: تمييع حالة "التدين" لمواجهة حركة الدين في المجال السياسي والعام، فهي كحركة صوفية تتبنى فكرة "الاسلام الروحي" وتعتقد أنها تستطيع من خلال التغلغل في المجال الاجتماعي الى ان تصل لمرحلة "التمكين" السياسي، وهذا ما حدث تماماً في تجربتها الحالية.

ثانياً: نزع حالة "العداء الديني" في عالمنا العربي والاسلامي للمشروع الصهيوني وتعميم "التطبيع" مع المحتل تحت ذريعة ان الوقت غير مناسب لمواجهته واستعدائه، وقد تمثلت هذه النزعة في تبرع "جولن" السخي لأحد المدارس التبشيرية (2 مليار دولار) ولقاءاته مع الحاخامات، وفي علاقة الجامعات التي انشأتها "الجماعة" مع الجامعات الإسرائيلية، وفي ادانة كولن لسحب السفير التركي من تل ابيب، وفي رفضه لسفينة "مرمرة" حين توجهت لمساندة أهل غزة المحاصرة.

ثالثاً: التأسيس لمجال ديني وسياسي خارج تركيا لخدمة الحركة مستقبلا إذا ما تجاوزت مرحلة "التمكين" وسيطرت (كما كانت تخطط) على مفاصل الدولة التركية، وهذا المجال بدأته في الدول التي يوجد فيها مسلمون من أصول تركية او غير عربية، ثم وصلت للمغرب العربي وانتهت بالمشرق العربي.

رابعاً: استخدام مناطق النفوذ الديني والثقافي بما تمثله من شخصيات دينية وسياسية للاستقواء على المشروع الذي يمثله اردوغان، وتوظيف ذلك في معركة "الصراع" على السلطة بين "الخدمة" و"حزب العدالة والتنمية" أو بين العثمانيّة التي يدعو اليها اردوغان وتركيا "القوميّة" التي يبشر بها فتح الله كولن.

خامساً: تخويف العالم العربي من خطر الاسلام السياسي، واستخدام ذلك كمظلة للعبور والتغلغل من جهة، وتطمين الدوائر السياسية العربية بأنها جماعة دعوية ترفع شعار "الاسلام الاجتماعي" من جهة اخرى، ثم اغراء المجتمعات العربية بالمشتركات والمصالح التي تحملها كبديل "للاسلام السياسي" الذي اصبح غير مرغوب فيه "ومطلوباً" في هذه المرحلة.

ولفتت نيابة اسطنبول في حيثيات طلبها، إلى أن المشتبه به "غولن الذي يتزعم منظمة اجرامية، تُعرف لدى الرأي العام بحركة الخدمة، وتبين أنها قامت بأنشاء تنظيم، في مجالات الاعلام والاقتصاد، وأجهزة الدولة، بصورة مخالفة للقوانين والأنظمة، لم يعد إلى تركيا بعد مغادرته البلاد عام 1998". مشيرة إلى أن "كولن" ما زال مقيمأً في الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها "توصلت في ضوء التحقيقات؛ إلى أدلة ملموسة وكافية حول ارتكابه جريمة"، موضحة أنه لا يمكن الوصول إليه؛ بسبب إقامته خارج البلاد منذ فترة طويلة، مطالبة بإصدار أمر قضائي لاعتقاله.

وتصف الحكومة التركية جماعة "فتح الله غولن"، بـ"الكيان الموازي"، وتتهم جماعته بالتغلغل داخل سلكي القضاء والشرطة وقيام عناصر تابعة للجماعة باستغلال منصبها وقيامها بالتنصت غير المشروع على المواطنين، والوقوف وراء حملة الاعتقالات التي شهدتها تركيا في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2013، بدعوى مكافحة الفساد، والتي طالت أبناء عدد من الوزراء، ورجال الأعمال، ومدير أحد البنوك الحكومية، كما تتهمها بالوقوف وراء عمليات تنصت غير قانونية، وفبركة تسجيلات صوتية.

من بنى برج ايفل

 ايفل

برج ايفل:

برج ايفل الفرنسي الرائع والصرح الشاهق الذي شكل واحداً من أهم معالم مدينة باريس الفرنسية الذي لا بد من توقفك عنده اذا زرت باريس لدرجة ان كل من زار مدينة الزهور له صورة او اكثر امام هذا الصرح العظيم، و هو برج حديدي يقع في أقصى الشمال الغربي لحديقة شامب دي مارس القريبة من نهر السين ، و قد كان هذا البرج رمزاً لقوة فرنسا التكنولوجية و الصناعية،فماذا تعرف من معلومات عن هذا البرج و بنائه ؟ إليك عزيزي القارئ بعض التفاصيل 

من بنى برج إيفل؟

قام ببناء هذا البرج المهندس جوستاب ايفل عندما أطلقت فرنسا مسابقة لتقديم اقتراح لبناء صرح ليكون معلماً للدولة 

بناء البرج:

في عام 1885 تم الإعلان عن مسابقه في باريس بحيث يقوم المتسابقون فيها بتقديم إقتراحات لبناء صَرح تقام فيه احتفالات الذكرى المئه للثوره الفرنسيه. و تم اختيار اقتراح المهندس جوستاب ايفل لبناء برج من الحديد
إستغرق بناء ذلك البرج مدة سنتين و شهرين وخمسة أيام, و قد تم الافتتاح في الخامس عشر من أيار 1889

وصف البرج:

يبلغ ارتفاع برج ايفل 324 متراً يحتوي البرج على ثلاث طبقات هنالك 704 درجات حتى الطابق الثاني كان الصعود إلى الطابق الثالث من البرج منذ إفتتاح البرج سنة 1889حتى سنة 1982 يمر بمرحلتين : الأولى هي الدخول من المدخل إلى الطابق الثاني عن طريق الصعود بأحد المصعدين المتوفرين أو صعود الدرج, ومن الطابق الثاني حتى الثالث بمصعدين اخرين منفردين كانت هذه المصاعد تشغل باستخدام محركات تعمل على الطاقة المائية حيث تم بناء خزان مائي فوق الطابق الثالث تبلغ سعته 23 متراً مكعباً. كان الماء يضخ إلى هذا الخزان لتشغيل ماتور المصعدين الهيدروليتييي من الطابق الثاني إلى التالث و لتوفير الطاقه, كان المصعدان الموجودان بين الطابق الثاني والثالث متزامنان, بحيث أن نزول الأول منهما يعمل بدوره على رفع المصعد الثاني.
 و قد تم تبديل هذين المصعدين في سنة 1983 بمصاعد كهربائيه قادره على الصعود من المدخل حتى الطابق الثالث مباشرةً

زيارة برج ايفل:

يسمح بزيارة البرج من التاسعه والنصف صباحاً و حتى الحاديه عشره وخمسه وأربعون دقيقه ليلاً. و يتم تمديد هذه المواعيد في أشهر الصيف لتبدأ من التاسعه صباحاً حتى الثانيه عشره وخمسه واربعون دقيقه ليلا

وفاة مخترع البريد الإلكتروني


مخترع البريد الإلكتروني

توفي مخترع البريد الإلكتروني (الإيميل)، راي توملينسون، عن عمر 74 عاما، إثر إصابته بنوبة قلبية.
وأكدت شركة ريثيون، التي يعمل بها توملينسون، الأحد وفاته.
وكان المبرمج الأمريكي الراحل قد واتته فكرة تبادل الرسائل الإلكترونية من شبكة إلى أخرى عام 1971.
وتضمنت الفكرة استخدام رمز "@" في عناوين البريد الإلكتروني، وهو ما أصبح متعارفا عليه حاليا.
وأرسل توملينسون ما يُعرف حاليا بأول رسالة إلكترونية من مقر عمله في مدينة بوسطن الأمريكية، إذ شغل منصب مهندس في شركة الأبحاث بولت وبيرانيك ونيومان.
ولعبت الشركة دورا كبيرا في تطوير النسخة الأولية من الانترنت، والتي عرفت بـ "أربانيت".
لكن توملينسون قال لاحقا إنه لا يستطيع تذكر رسالة الاختبار الأولى، واصفا إياها بأنها "قابلة للنسيان تماما".
ونالت أعمال توملينسون الكثير من التقدير عام 2012، إذ أُدرجت ضمن قائمة أكثر أعمال الانترنت شهرة.
وحصل توملينسون على العديد من الجوائز والأوسمة.
"لاتخبر أحدا"

ray_tomlinson
ray_tomlinson 

حصل توملينسون على تقدير كبير بسبب ابتكاره   
ونقلت وكالة أسوشيتدبرس عن زملائه في العمل قولهم إن كان متواضعا وبسيطا للغاية، وإنه من المدهش أنه لم يكن يراجع باستمرار بريده الالكتروني.
وحسب مقال نشرته مجلة فوربس الامريكية عام 1998 فإن توملينسون أطلع أحد زملائه في العمل على فكرة تبادل الرسائل الإليكترونية بعد نجاح اول تجربة لكنه قال له "لاتخبر احدا بذلك فليس هذا ما نعمل لأجله هنا".
ولم يستغرق الامر سوى بضع سنوات ليتحول البريد الإليكتروني إلى وسيلة سريعة لتبادل الرسائل.
وقال المتحدث باسم شركة ريثيون "لم يكن الامر مخططا فقد كان توملينسون يلهو ببعض الادوات".
وفي مقابلة أجراها توملينسون في وقت سابق قال إنه ابتكر البريد الإليكتروني فقط لأنها كانت تبدو فكرة أنيقة مضيفا أن أول بريد إليكتروني تم إرساله من جهاز كومبيوتر إلى جهاز أخر مجاور.
واستخدم توملينسون الرمز @ لأنه كان بحاجة لرمز يستخدمه في عنوان البريد الإليكتروني ولايمكن استخدامه في عناوين المواقع الاليكترونية فنظر إلى لوحة المفاتيح واختار الرمز @.
 

أم المؤمنين

 
عايشه بنت ابي بكر الصديق رضي الله عنها:
 
أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة، زوجة رسول الله، فقيهة نساء الأمة، فصيحةٌ عالمةٌ بالأدب والدين والطب. أمها أم رومان زينب بنت عامر الكِنانية، ولها من الإخوة عبد الرحمن أخوها الشقيق، ولها من أبيها عبد الله وأسماء ومحمد.
 
كانت عائشة رضي الله عنها وأهل بيتها من النفر الذين أسلموا أول الدعوة، تقول: «لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدِّين».
 
كان لها المنزلة الرفيعة والمكانة العظيمة عند رسول الله، خطبها في مكة بعد وفاة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وتزوجها في المدينة، ولم ينكح بِكراً غيرها. أحبها حباً شديداً، فكانت تقول له: «كيف حبّك لي؟» فيقول: «كعقدة الحبل»، فكانت تسأله دوماً: «كيف العقدة يا رسول الله؟» فيقول «هي على حالها».
 
هاجرت رضي الله عنها إلى المدينة مع أمها وأختها أسماء، خرج بهنّ عبد الله بن أبي بكر، وصادفوا في طريق الهجرة زيد بن حارثة وأبا رافع مولى رسول الله خارجين بفاطمة وأم كلثوم بنتي رسول الله وسودة بنت زمعة زوجته.
 
شاركت رضي الله عنها في معارك الإسلام الأولى، فكانت في غزوة أُحد تسقي الجرحى، وتحمل قرب الماء على عاتقها. وكذلك شاركت في غزوة بني المصطلق، واتُهِمَتْ عند عودتها من هذه الغزوة ـ حقداً وبهتاناًـ بحادثة الإفك، فامتحن الله بها إيمانها فصبرت محتسبة، وهي تعلم أن الله لن يضيّعها وسيبرئها. وكان وراء إشاعة هذه الحادثة المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أُبيّ بن سلول. وقد أنزل الله براءتها في القرآن.
 
في معركة الجمل لم تكن رضي الله عنها تريد حرباً، وما كانت تشعر اتّجاه عليّ بن أبي طالب بعداوة أو خصومة، ما خرجت إلا بهدف الإصلاح بين الناس مقتديةً بقوله تعالى: ]وإنْ طَائِفَتَان منَ المُؤمنين اقتَتَلوا فَأصلِحُوا بَينَهُما[. وقد قيل إنها كانت عازمة على الرجوع لمّا بلغت مياه بني عامر، فقال لها بعض من كان معها: «بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم».
 
وملخص الخبر أن قتلة عثمان بن عفان هربوا إلى العراق، فانقسم الناس قسمين، منهم من يريد الثأر مباشرة، وفيهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، ومنهم من يريد التَّريث، وفيهم عليّ بن أبي طالب. فسار الصحابيان الجليلان طلحة والزبير إلى عائشة رضي الله عنها، وكانت في طريق عودتها من الحج؛ لتتوسط لدى الخليفة عليّ في القصاص من قتلة عثمان، ولمّا أخفقوا في ذلك لحقوا جميعاً بالبصرة من أرض العراق، وتبعهم الخليفة عليّ بن أبي طالب خارجاً إلى البصرة، فنزل بذي قار وأرسل القعقاع بن عمرو ليصلح بين الطرفين، فقام القعقاع بوساطة حكيمة، وتمّ الصلح بينهما على أنهم إذا تمكّنوا طلبوا قَتَلَة عثمان، فتابع عليّ بن أبي طالب طريقه ونزل البصرة، فالتقى الفريقان واتفقوا على وضع الحرب. حينئذٍ خشي القتلة من اتفاق عليّ وطلحة والزبير وعائشة، فحملوا على عسكر طلحة والزبير، فظنّا أن علياً حمل عليهم، وحملوا على معسكر عليّ الذي راح يدافع ظنّاً أن الآخرين قد غدروا بهم، وهكذا أنشبوا الحرب بين الفريقين، فلا علي أراد قتالاً، بل نادى: «من ألقى سلاحه فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن»، ولا عائشة رضي الله عنها ومن معها أرادوا قتالاً، بل كانت راكبةً هودجها لا قاتلت ولا أمرت بقتال، وكان كبار الصحابة يخافون عليها، ولاسيما عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه الذي أمر بالعودة إلى المدينة فاستجابت لذلك، فبعث معها أخاها عبد الرحمن وثلاثين رجلاً وعشرين امرأة ألبسهنّ العمائم وقلدهنّ السيوف، وقال لهن: «كنّ اللاتي تلين خدمتها وحملها». ولمّا وصلت إلى المدينة وعلمت بهذا قالت: «ما ازددت والله يا بن أبي طالب إلا كرماً، ووددت أني لم أخرج».
 
كانت عائشة رضي الله عنها من أكرم أهل زمانها، ولها في السخاء أخبار كثيرة منها أن معاوية بن أبي سفيان بعث إليها يوماً مئة ألف درهم، فما غابت شمس ذلك اليوم حتى وزعتها، فقالت مولاة لها: «لو اشتريت لنا من هذه الدراهم بدرهم لحماً»، فقالت عائشة: «لو قلت قبل أن أفرّقها لفعلت». وكانت على دراية واسعة بأسرار الأحكام والتشريع، إضافة إلى معرفتها الأمورَ الاجتماعية والسياسية، يقول مسروق: «رأيت مشيخة أصحاب رسول الله الأكابر يسألونها عن الفرائض». ويقول عطاء بن رباح: «كانت عائشة رضي الله عنها أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً في العامة».
 
عُرِفَتْ بالفصاحة والبلاغة والعلم بالشعر، يقول عروة بن الزبير: «ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا بطبٍ ولا بشعرٍ من عائشة، ما كان ينزل بها شئ إلا أنشدت فيه شعراً».
 
كانت من المكثرين في الرواية، روت من الأحاديث 2210، وممن روت عنهم أبوها وعمر بن الخطاب وفاطمة بنت رسول الله وسعد بن أبي وقّاص وغيرهم، وروى عنها أبو هريرة وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم جميعاً. وروى عنها من التابعين كُثر منهم: سعيد بن المُسيَّب، عمرو بن ميمون، مسروق بن الأجدع.
 
ماتت رضي الله عنها في السابع عشر من رمضان، ولها ستٌ وستون سنة، فاجتمع الناس للصلاة عليها، فلم تُرَ ليلةٌ أكثر ناساً منها، وصلّى عليها أبو هريرة، ودفنت في البقيع.

علي بن أبي طالب

 
 
علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
 
أبو الحسن، علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي القرشي، ابن عم الرسول وصهره
على ابنته فاطمة، رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة. أمه فاطمة بنت أسد ابن هاشم. ولد قبل البعثة بعشر سنين، على الصحيح. تربى في حجر النبي، وذلك أن قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب كثير العيال، فخفف عنه أخوه العباس فأخذ جعفراً، وأخذ رسول الله علياً، فلم يزل مع رسول الله حتى بعثه الله نبيّاً واتبعه عليأسلم علي وهو في العاشرة من عمره فكان بذلك ثاني من أسلم مطلقاً، وأول من أسلم من الصبية على الراجح، وكان أكبر عون للنبي في مرحلة الدعوة المكية رغم صغر سنه، حتى قال له النبي حين جهر بمناصرته أمام أعمامه وأقربائه من بني هاشم: «أنت ولي في الدنيا والآخرة»، وحين عزم رسول الله على الهجرة إلى المدينة المنورة أمر علياً أن ينام في فراشه قائلاً له: « لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم » ثم أقام ثلاثة أيام يؤدي ودائع للناس كانت عند النبي، ثم خرج مهاجراً فأدرك رسول الله بقباء وقد تفطرت قدماه، فتفل عليهما رسول الله ومسح، فلم يشتكهما حتى قُتل.
 
في السنة الثانية من الهجرة زوَّجَه النبي ابنته فاطمة، ولم يتزوج علي غيرها حتى توفيت.
شهد علي مع رسول الله المشاهد كلها سوى، غزوة تبوك فإنه خلَّفه على أهله ـ كما روى البخاري في صحيحه ـ قائلاً له: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي»، كان صاحب اللواء في أكثر المشاهد، فقد عُرف بالشجاعة والفروسية والإقدام في الحروب. قال له النبي في غزوة خيبر: «لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»، وأرسله النبي إلى اليمن والياً وقاضياً بعد أن دعا له بأن يثبت الله لسانه ويهدي قلبه، فأسلمت هَمْدان جميعاً على يديه.
 
لازم رسول الله في مرضه، فكان يخرج معه إلى الصلاة متكئاً عليه وعلى العباس رضي الله عنهما، إلى أن توفي.
وكان علي ممن أسرع إلى مبايعة أبي بكر الصديق عنه في أول يوم، ثم جدد مبايعته له على ملأ من الناس بعد ستة أشهر، وذلك بعد وفاة فاطمة، رضي الله عنها.
 
كما كان متعاوناً مع أبي بكر في خلافته ناصحاً له، فقد منع أبا بكر من التوجه بنفسه إلى محاربة المرتدين قائلاً له: «لُمَّ سيفك ولا تفجعنا بنفسك وارجع إلى المدينة، فو الله لئن فُجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبداً» فرجع أبو بكر، واحتضن علي محمدَ ابن أبي بكر بعد وفاة أبيه، وكان له من العمر ثلاث سنوات، فتربى في حجره. كما سمّى علي أحد أولاده من زوجته ليلى بنت مسعود التميمية بأبي بكر.
وفي خلافة عمر بن الخطاب كان علي أحد وزرائه وأهل مشورته، كما كان موضع ثقته، فقد جعله عمر على أمور الخلافة حين توجه إلى بيت المقدس، وكان علي هو الذي أشار على عمر بخروجه إلى بيت المقدس سنة 16هـ؛ ليكتب صك الصلح بيده ويستلم مفاتيح المدينة، في حين نصحه بعدم الخروج إلى نهاوند خوفاً عليه وعلى أمر المسلمين من بعده، وقد عمل عمر بمشورته في الأمرين. كما عمل بمشورته في التأريخ بالهجرة من دون ما سواها من الأحداث.
 
كان عمر عنه يثق بقضائه وفُتْياه في الأمور المعضلة وكان يقول: «لولا علي لهلك عمر».
زوّج علي عمرَ ابنتَه، من فاطمة، أمَّ كلثوم. كما سمّى أحد أولاده، من أم حبيبة بنت زمعة التغلبية، بعمر، وقد عمّر خمساً وثلاثين سنة.
 
كان علي أحد الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر أمر الخلافة إليهم. ولما توفي عمر حزن علي لموته حزناً شديداً قائلاً: «موت عمر ثلمة في الإسلام لا تُرتق إلى يوم القيامة».
 
وكان علي من أوائل الذين بايعوا عثمان، وكان خير ناصح ومدافع عنه طول مدة خلافته، وخاصة في أحداث الفتنة، فعندما جاء أهل مصر إلى المدينة ثائرين على عثمان، خرج علي إليهم قبل دخولهم إلى المدينة، وأمرهم بالرجوع إلى بلادهم بعد أن أنَّبَهم وأوضح لهم صدق عثمان ومكانته.
 
وفي أثناء الحصار استأذن علي عثمانَ رضي الله عنهما في القتال والدفاع عنه، فأبى عثمان وأنشده الله وغيره من الصحابة ألا يفعلوا. ولما اشتدت على عثمان الحال ونفد ما عنده من ماء، ركب علي بنفسه وحمل معه قِرَباً من الماء، وبذل جهداً حتى أوصلها إليه بعدما ناله من المحاصِرين كلام غليظ. وقد عرض عليه الناس أن يصلي بهم في أثناء حصار عثمان فأبى، وكان يصلي وحده.
سمّى أحد أولاده، من أم البنين بنت حرام، بعثمان، وقد استشهد بكربلاء مع أخيه الحسين.
 
خلافته والصعوبات التي واجهته:
 
بويع لعلي بالخلافة بعد مقتل عثمان بخمسة أيام سنة 35هـ، ولم يكن أحد أحق منه بالخلافة وولاية المسلمين يومئذ، إلا أنه ما لبث أن جُوبِه بجماعة من الصحابة يطالبون بدم عثمان والاقتصاص من قتلته مباشرة من دون حاجة لدعوى أو بينة، وكان رأي الخليفة علي أن يدخل الجميع في طاعة الإمام ويستتب الأمر، ثم يقوم وَلِيُّ دمِّ عثمان فيَدَّعي به عنده، ثم يعمل ما يوجبه حكم الشريعة. فكانت وقعة الجمل سنة 36هـ قرب البصرة، وكان الخليفة علي قد اصطلح مع مخالفيه على الرجوع وعدم خوض القتال، إلا أن أناساً من السبئية مالوا إلى التحريض وإثارة القلاقل بين الفريقين، فظن كلٌّ منهما أن صاحبه قد نقض العهد فوقع القتال وكان الظفر لعلي وأصحابه.
كما أبى أهل الشام بقيادة معاوية ـ وكان أميرهم زمن عمر وعثمان ـ الدخول تحت طاعة علي مطالبين بدم عثمان، فلما فرغ علي من الجمل سار إلى الشام فالتقى الفريقان في صِفِّين قُرب الرقة على شاطئ الفرات سنة 37هـ، ووقع قتال شديد استُشهد على أثره عمار بن ياسر، فبان أن الصواب كان مع الخليفة علي، وذلك لقول رسول ـ كما روى مسلم ـ: «تقتل عماراً الفئة الباغية» واتفق على ذلك أهل السنة جميعاً.
ولما قَبِل علي وقف القتال واللجوء إلى التحكيم، خرج عليه أناس من جنده لُقِّبوا بالخوارج، كفّروا علياً ومَن قَبِل بالتحكيم من الصحابة، وقطعوا الطرق وقتلوا وسَبوا، فقاتلهم وهزمهم شر هزيمة في النهروان سنة 38هـ.
تنغصت الأمور على الخليفة علي سنة 39هـ واضطرب عليه جيشه، وخالفه أهل العراق وأبوا الخروج معه إلى قتال أهل الشام، وكان هو كما ذكر المؤرخون خير أهل الأرض في ذلك الزمان وأعبدهم وأزهدهم وأعلمهم وأخشاهم لله، ومع هذا كله خذلوه وتخلوا عنه حتى كره الحياة وتمنى الموت.
وفي ليلة الجمعة السابع عشر من رمضان سنة 40هـ قتل عبد الرحمن بن ملجم المرادي الخارجي الخليفة علي بن أبي طالب، بسيفه الذي كان قد سمه شهراً فاستشهد عن ثلاث وستين سنة، وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر وصلى عليه ابنه الحسن.
 
له العديد من الأولاد أشهرهم: الحسن والحسين، وزينب الكبرى وأمّ كلثوم، وهم أولاد فاطمة رضي الله عنها. ومن غير فاطمة: العباس وجعفر وعبد الله وعثمان وعبيد الله وأبو بكر، وقد قُتلوا مع أخيهم الحسين في كربلاء، ويحيى ومحمد الأكبر، وهو المعروف بابن الحنفية، ومحمد الأوسط، ومحمد الأصغر، وعمر، ورقية، وأم الحسن. ورملة الكبرى.
 
وقد قيل إن جميع ولد علي أربعة عشر ذكراً وسبع عشرة أنثى، وأن النسل كان من خمسة: الحسن والحسين، ومحمد بن الحنفية، والعباس بن الكلابية، وعمر بن التغلبية ، رضي الله عنهم جميعاً.
 
كان علي بن أبي طالب حكيماً فصيحاً، تتدفق البلاغة على لسانه، لم يُعرف بين الصحابة أحدٌ بمثل بلاغته وفصاحته، اشتهر عنه العديد من الحِكَم والأقوال والخُطَب وبعض الشِّعر، واختُلق عليه كثير منها، جُمع له كتاب فيها، اختُلف في صحة نسبة كثير منها إليه، كما تميز علي بالفقه والعمق في الرأي، حتى عُدَّ مؤسس مدرسة الفقه في العراق هو وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنهما.
 
وكان لعلي السبق في علم النحو العربي، وذلك أن أبا الأسود الدؤلي لما شكا إليه شيوع اللحن على الألسنة، أملى عليه علي أصولاً في اللغة، ثم قال له: «انحُ هذا النحو يا أبا الأسود» فعُرف هذا العلم باسم النحو من يومها، شهد النبي لعلي بالتقدم في القضاء فقال: «أقضاكم علي».
 
وكان علي يقول: «سلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل». وقد اشتهر المَثَل السائر: «قضية ولا أبا حسن لها».

عثمان بن عفان

 
عثمان بن عفان رضي الله عنه:
 
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، يلتقي نسبه بالنبي من جهة أبيه وأمه. ثالث الخلفاء الراشدين.
 
أمه أروى بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس، أسلمت مع أمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب عمَّة رسول الله.
وُلِدَ عثمان بعد حادثة الفيل بست سنين.
 
لقب بذي النورين، كان يُكنى في الجاهلية بأبي عمرو، ولما وُلِدَ له من رقية[ر] عبدُ الله صار يُكنى بأبي عبد الله.
كان كريم الأخلاق حليماً لين العريكة، كثير الحياء، كثير العطاء، شهد له بذلك رسول الله، وكبار أصحابه.
يقول خادمه: كان لا يوقظ أحداً من أهله إذا قام من الليل ليعينه على وضوئه، إلا أن يجده يقظاناً، وكان يُعاتب فيُقال له: لو أيقظت بعض الخدم؟ فيقول: لا، الليل لهم يستريحون فيه.
حج مع رسول الله حجة الوداع، وعشر حجج بعد خلافته، وكان يصوم الدهر عدا يومي الفطر والأضحى وأيام التشريق الثلاثة. وهو أفضل من قرأ القرآن على النبي، كما يقول الحافظ الذهبي. بُشّر بالجنة، كما بُشّر بالشهادة، وأن بلوى تصيبه.
 
جهَّز جيش العسرة بثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها (ما يوضع على ظهر الرحل) في سبيل الله، ونثر بين يدي النبي ألف دينار فقال له: «اللهم ارض عن عثمان فإني راض عنه، ما ضرّ عثمان ما فعل بعد هذا اليوم» مرتين.
واشترى بئر رومة من يهودي احتكر ماءها، فجعلها وقفاً على المسلمين، وكان يعتق كل أسبوع رقيقاً.
كان أحد السابقين الأولين، ولازَم رسول الله في معظم أحواله في السلم والحرب واحداً من أكثر أصحابه أدباً وحباً وولاءً ومؤازرةً.
 
هاجر إلى الحبشة والمدينة وشهد أحداً والخندق والحديبية، وبايع النبي بيعة الرضوان، وشهد خيبر، وعُمْرَةَ القضاء وحضر فتح مكة وهَوازن والطائف وغزوة تبوك، ولم يتخلف عن بدر إلا بأمر النبي لتمريض زوجته السيدة رقية، التي توفيت يوم جاء البشير بنصر المؤمنين في بدر.
اتخذه أبو بكر الصِّدِّيق في خلافته أميناً وكاتباً ومستشاراً، وكذلك فعل عمر، ثم عيَّنه أحد أعضاء الشورى لانتخاب الخليفة من بعده.
روى عن رسول الله مئة وستة وأربعين حديثاً، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة منها، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بخمسة.
 
جعل عمر الأمر بعده شورى بين ستة نفر، وهم: عثمان بن عفان، وعلي ابن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وانتهى الأمر إلى اختيار عثمان بن عفان، وتمت البيعة له علناً في المسجد، في المحرم سنة ثلاث وعشرين للهجرة، ولم يتخلف عنها أحد.
 
ما إن تولى عثمان الخلافة حتى كتب إلى الولاة والقوّاد وعمال الخراج وعامة المسلمين بالأمصار يقول: «إن الله خلق الخلق فلا يقبل إلا الحق، خذوا الحق، وأعطوا به الحق، والأمانةَ الأمانةَ، قوموا عليها، ولا تكونوا أول من يسلبها، فتكونوا شركاء مَنْ بعدكم، الوفاءَ الوفاءَ، ولا تظلموا اليتيم، ولا المُعاهدَ فإن الله خَصْمٌ لمن ظلمهم».
واصل الجهود التي بذلها الخليفة الراحل عمر في الجهاد، فأتم المسلمون فتح خراسان وانتصروا في معركة ذات الصواري المشهورة على البيزنطيين، وتابعوا غزواتهم في إفريقيا، وبدأت الأموال تتدفق إلى بيت المال ولم يدخره عثمان، ولم يحبسه، وإنما زاد في العطاء والرزق.
 
وقد وسّع عثمان المسجد الحرام، وأمر بتجديد أنصاب الحرم، كما وسع مسجد رسول الله، وجعل عُمُدَهُ من حجارة، وسَقَفَهُ بالساج، وجعل طوله ستين ومئة ذراع، وعرضه خمسين ومئة ذراع، وترك أبوابه كما كانت زمن عمر ستة أبواب.
 
ومن اجتهاداته أنَّ أبا بكر كان إذا خطب يقوم على الدرجة التي تحت الدرجة التي كان رسول الله يقف عليها في أثناء الخطبة، فلما ولّي عمر نزل درجة عن درجة أبي بكر، فلمّا ولّي عثمان صعد إلى الدرجة التي كان يخطب عليها رسول الله. وزاد الأذان الأول يوم الجمعة قبل الأذان الذي كان يؤذن بين يدي النبي إذا جلس على المنبر.
أتم الصلاة بمنى في حج عام 29هـ، وكان النبي يصلي ركعتين، كذلك أبو بكر، ثم عمر، فكُلّم في ذلك، فقال: «إني أخبرت عن جفاة الناس قد قالوا: إن الصلاة للمقيم ركعتان وقالوا: هذا عثمان يصلي ركعتين فصليت أربعاً، وهذا رأي رأيته».
 
ومن أَجَلِّ مناقبه وأعظم حسناته: جمعه القرآن، فقد أمر عثمان بنسخ المصحف الذي جُمِعَ زمن أبي بكر ووزَّعه على الأمصار، بعد أن قدم حَذيفة بن اليمان وحدثه عن اختلاف المسلمين في القراءة، فأمر عثمان بنسخ الصحف التي كانت عند حفصة في المصاحف، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في صحيفة أو مصحف أن يحرق.
 
وقد حاول بعض الناس أن يلوموا عثمان على أمره بإحراق المصاحف، فقال لهم علي بن أبي طالب: لم لو يصنعه عثمان لصنعته أنا، فجزى الله عثمان عن الأمة خير الجزاء، إذ كان له فضل في رد الناس إلى قراءة واحدة، كفضل أبي بكر في جمع القرآن.
 
انتهت خلافته بعد الفتنة التي انتهت بمقتله بعد حصار دام شهراً أو أكثر، وقد اسْتجرت الفتنة في سنوات خلافته الأخيرة، وعلى الرغم من كل المحاولات التي بذلها لرد المتمردين إلى الصواب أمضوا في العداوة، وفي عام 34هـ جمع الخليفة عثمان جميع الولاة، وبيّن لهم خطورة الأمر، فلم ينجع الدواء، ولم يطمئن المتمردون في تلك الولايات، بل زادوا في هياجهم، وبدأت تخرج من أفواه بعضهم كلمة خلع الخليفة، وتكررت في مواضع مختلفة.
 
وفي عام 35هـ تحرك المتمردون فجاء ستمئة من مصر، وعلى رأسهم: كنانة بن بشر، وابن عُديس البلوي، وعمرو بن الحمق، وجاء من الكوفة مئتان، على رأسهم: الأشتر النخعي، وجاء من البصرة مئة، على رأسهم: حُكيم بن جَبَلَة، ورفض الخليفة مصراً أمرين: عرض الثائرين عليه أن ينزل عن الخلافة، قائلاً: لا أخلع قميصاً البسنيه الله، ورفض كل العروض التي قدمها أعيان الصحابة في قتال المتمردين، وقُتل بعد أن استسلم لقدره صائماً يقرأ كتاب الله في بيته.

عمر بن الخطاب



عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
 
أبو حفص، عمر بن الخطاب نُفَيل العدوي القرشي، وبنو عدي بطن من بطون قريش اشتهروا بالشرف والمجد، ويجتمع نسبه مع الرسول من جهة أمه حَنْتمة بنت هشام بن المغيرة المخزومي في الجد السادس (وهو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة) وخاله أبو جهل، عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي،  كناه الرسول بأبي حفص، لما رأى فيه من الشدة والحزم في الحق.
 
ولد بمكة قبل حرب الفجار الأعظم بأربع سنين، وبعد الرسول بثلاث عشرة سنة وكانت تلك الحرب قبل البعثة النبوية بست وعشرين سنة بين قريش وكنانة، وبين هوازن، سميت بالفجار لإشعالها في الأشهر الحرم.
نشأ عمر في البيئة العربية الجاهلية الوثنية على دين قومه، كأمثال أبناء قريش، في بيت عرف بالحزم والشدة والصلابة وقسوة العيش، قال عمر: كان أبي الخطاب فظاً غليظاً يتعبني إذا عملت، ويضربني إذا قصرت، وتميز عمر من أمثاله لتعلمه القراءة والكتابة، وكان القراء والكتاب في عصره قلائل جداً، فكانوا عند إسلامه سبعة عشر رجلاً من قريش، وكان في شبابه يرعى الإبل لوالده، كغيره من شبان مكة ورجالها، وكان مغرماً بالخمر والنساء، حذق المصارعة وركوب الخيل والفروسية، فكان من أبطال قريش وأشرافهم، وتذوق الشعر ورواه، وكان سفيراً حاذقاً لقريش في المفاوضة بينهم وبين غيرهم في وقائع الحرب، ينافر عنهم وينذر الأعداء، وكان شديد القسوة على المسلمين كبقية المشركين، واشتغل بالتجارة لكنه لم يفلح فيها، وأكسبته رحلاته التجارية في الجاهلية ثقافة في ملاقاة أمراء العرب، وكان له تجارة بين الشام والحجاز.
 
عرف الرسول مكانة عمر وهيبته في قريش واعتداده بنفسه، فدعا الله أن يُعز به الإسلام أو بخاله عمرو بن هشام « أبو جهل»، فقال: «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب، أو بأبي جهل بن هشام» أو «اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك، بأبي جهل أو بعمر…» فجعل الله دعوة رسوله لعمر، قال ابن عمر: وكان أحبَّهما إليه ـ أي إلى النبي ـ عمر. وكان الرسولr يعلم أنه لم يكن بين القرشيين من يجرؤ على معارضة عمر.
أسلم عمر في مكة، في السنة الخامسة من النبوة، وهو ابن تسع وعشرين سنة، وكان قد أسلم مع رسول اللهr تسعة وثلاثون رجلاً، وامرأة، فصاروا بعمر أربعين، كما ذكر ابن عباس.
 
وقصة إسلامه مشهورة رواها ابن هشام في السيرة عن ابن إسحاق، موجزها: أنه توشح يوماً بسيفه يريد رسولr، فثناه نعيم بن عبد الله عن مهمته إلى صهره ابن عمه سعيد بن عمرو وأخته فاطمة، لأنهما أسلما، فطرق عليهما الباب وعندهما خبَّاب ابن الأرت معه صحيفة فيها سورة [طه] يُقرئهما إياها، فاختفى خبَّاب، وأخفت فاطمة الصحيفة، فطالبهما بمعرفة الصوت الخفي «الهينمة» ورؤية الصحيفة، فلم يعطياها، فبطش بصهره «خَتَنه» وبأخته، ثم قالا له: نعم لقد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فقال لأخته: أعطني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤون آنفاً، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد، فامتنعت أخته عن تسليمها له حتى يغتسل، لأنه لا يمسها إلا الطاهر، فاغتسل، فلما قرأ منها صدراً، قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه فذكّره خبَّاب بدعاء الرسول له بالإسلام، فقال له عمر: دلّني يا خبَّاب على محمد حتى آتيه فأُسلم، فقال له: هو في بيت عند الصفا «أي بيت الأرقم بن أبي الأرقم» معه نفر من أصحابه، فأخذ عمر سيفه فتوشحه، ثم عمد إلى رسول الله وأصحابه، فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته، قام رجل من الصحابة وهو فزع، فقال: يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب متوشحاً بالسيف، فقال حمزة بن عبد المطلب: فأذن له، فإن كان جاء يريد خيراً بذلناه له، وإن كان يريد شراً قتلناه بسيفه، فأذن له، ونهض الرسول حتى لقيه بالحجرة، فأخذ بمجمع ردائه، ثم جَبَذه «هزه» جبذة شديدة، وقال: ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ فو الله ما أرى أن تنتهي حتى يُنزل الله بك قارعة، فقال عمر: يا رسول الله، جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله، فكبر الرسول تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب الرسول أن عمر قد أسلم.
 
ولما وافق إسلام عمر إسلام حمزة، اطمأن المؤمنون، وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله، وينصفانه من عدوه، وبعد إسلامهما صارت الدعوة إلى الله جهرية، فخرج الرسول في صفَّين: عمر في أحدهما، وحمزة في الآخر، حتى دخل المسجد، فأصاب قريشاً كآبة لم تصبهم قط، وسماه رسول الله يومئذ الفاروق. قال الرسول: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، فرق الله به بين الحق والباطل» ذكره ابن الجوزي عن أيوب ابن موسى.
وهاجر عمر من مكة إلى المدينة المنورة علناً، وكان المسلمون يهاجرون سراً. قال علي: «ما علمت أحداً هاجر إلا متخفياً إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما همًّ بالهجرة تقلّد سيفه، وتنكّب قوسه، وانتقى في يده أسهماً، وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها، فطاف سبعاً، ثم صلى ركعتين عند المقام «مقام إبراهيم» ثم أتى حلَقهم واحدة واحدة، وقال: شاهت الوجوه، لا يُرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكُله أمُّه،  ويُؤتم ولده، ويُرملَ زوجتَه، فليلقني وراء هذا الوادي. قال علي: فما تبعه أحد».
 
روى ابن الأثير عن عبد الله بن مسعود قال: «كان إسلام عمر فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت إمارته رحم، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي في البيت، فلما أسلم عمر، قاتلهم حتى تركونا، فصلينا».
وقال عكرمة بن أبي جهل: لم يزل الإسـلام في اختفاء حتى أسـلم عمر.
 
تميز عمر ببطولته وجرأته، وحكمته وعقله الكبير، وهيبته، وشدته وحزمه والتزامه بالحق، ونفاذ بصيرته وفراسته ورؤيته المستقبلية، مع رحمته ولينه وعدله في الحق أيضاً، واشتهر بمواهبه العديدة، وإلهاماته النادرة، وغيرته على العرض والشرف والحرمات الدينية والإنسانية كلها، وكان العدل تاج خصاله بالوراثة، لذا كانت له منزلة عالية في الأمة وعند الرسول الذي قال فيه عدة أقوال، منها: «اتقوا غضب عمر، فإن الله يغضب لغضبه».
ومنها ما تقدم عن أيوب بن موسـى، ومنها ما رواه الطبري عن النبي أنه قال: «عمر معي، وأنا مع عمر، والحق بعدي مع عمر حيث كان» وفي شدته وحزمه قال عنه أيضاً: «ومثلك يا عمر مثل نوح قال: )وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا( (نوح: 26)، ومثلك كمثل موسى قال: )رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ( (يونس: 88) وفي هيبته قال عنه: «إن الشيطان ليخاف منك يا عمر» وقالت عائشة رضي الله عنها: «فما زلت أهاب عمر لهيبة الرسول إياه» وفي عبقريته قال عنه كما ذكر ابن الجوزي: «لم أر عبقرياً يفري فريه» وذكر أيضاً ما في الصحيحين وسنن أبي داود عن أبي هريرة، قال رسول الله: «إنه قد كان فيمن مضى قبلكم من الأمم ناس مُحَدَّثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم أحد، فإنه عمر بن الخطاب » وروي ذلك عن عائشة أيضاً، (المُحَدَّث: الرجل الصادق الظن)، وقد نزل القرآن مؤيداً رأي عمر في بضع وثلاثين مسألة، منها الحسم في تحريم الخمر، وحجاب أمهات المسلمين، وعدم أخذ الفداء من أسرى بدر، قال علي بن أبي طالب : «خير الناس بعد رسول الله أبو بكر، ثم عمر رضي الله عنهما»، وقال: «ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر».
 
لم يوص الرسول لأحد من أصحابه بالخلافة من بعده، بل ترك مسألة الخلافة والشورى بينهم، فلما شاع نعي النبي، اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة في المدينة المنورة، وأرادوا أن يبايعوا بالخلافة رجلاً منهم، هو سعد بن عُبادة، سيد الخزرج، فحضر إليهم نفر من المهاجرين، وكاد يقع بينهم خلاف شديد، لولا أن قام إليهم أبو بكر خطيباً، وأورد حديثاً هو أن «الأئمة من قريش» وحذّر من تنافس الأوس والخزرج، وتجدُّد العداوة بينهم، فعَرَض عليهم مبايعة عمر أو أبي عبيدة بن الجراح، فخشي عمر من استحكام الاختلاف بين الصحابة فقام إلى أبي بكر وبايعه بالخلافة، كما ذكر ابن هشـام، وقال لـه: «ألم يأمر النبي بأن تصلي أنت يا أبا بكر بالمسلمين؟ فأنت خليفته، ونحن نبايعك، فنبايع خير من أحب رسول الله منا جميعاً» فبايعه من بعده بشير بن سعد وأبو عبيدة، ثم تتابع المهاجرون والأنصار يبايعونه، وتسمى بيعة السقيفة بالبيعة الخاصة، لأنه لم يبايعها إلا نفر قليل من المسلمين هم الذين حضروا السقيفة، فلما كان الغد، جلس أبو بكر على المنبر في المسجد، وبايعه الناس البيعة الكبرى أو العامة. ثم بايعه الزبير، ثم علي بعد موت فاطمة.
 
لما مرض أبو بكر سنة 13هـ/634م خشي إن هو قبض، ولم يعهد بالخلافة إلى أحد يوحد كلمة المسلمين، عاد الاختلاف على الخلافة بينهم سيرته الأولى، فيتمكن منهم العدو، فنظر أبو بكر في أصحابه، ليتخير من بينهم رجلاً يكون شديداً في غير عنف، وليّناً في غير ضعف، فوجد أن «من توفرت فيه هذه الصفة من الصحابة أحد رجلين: 
عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، إلا أن الأول ربما يريد الأمر، فيرى في طريقه عَقَبة فيدور إليه، والثاني يرى الاستقامة لا يبالي بالعقبة تقوم بين يديه، فهو بهذا إلى الشدة أميل منه إلى اللين».
فوقع اختياره على عمر، وجعل يستشير فيه كل من دخل عليه من الصحابة، مثل عبد الرحمن بن عوف، وعثمان ، وأُسيد بن حضير الأنصاري، ثم دعا أبو بكر عثمان بن عفان فأملاه كتاب عهده لعمر، ونصه: « بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به أبو بكر خليفة محمد عند آخر عهده بالدنيا، وأول عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيها الكافر، ويتقي الفاجر. إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فإن برَّ وعدل، فذلك علمي به ورأيي فيه، وإن جار وبدّل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت، ولكل امرئ ما اكتسب: )وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ( (الشعراء: 227)».
 
ثم بايعه الناس في المسجد النبوي على الخلافة يوم وفاة أبي بكر، بطلب من عثمان على ما في كتاب العهد، وبايعه أبو بكر بموافقة أصحاب الرأي في الاختيار قبل تسميته.
كان لصفات عمر المتقدمة وأهمها نفاذ بصيرته والتزامه قمة العدل البشري أثر كبير في نجاحه الخارق في إدارة الدولة الإسلامية في عهده، وكان أول من لقَّب بأمير المؤمنين باقتراح عمرو بن العاص.
فسار بأحسن سيرة، وأنزل نفسه من مال الله بمنزلة رجل من الناس، وفتحت في أيامه الفتوحات الكبرى في الشام، والعراق وفارس، ومصر، فافتتحت القدس ودمشق والمدائن في عهده، وهو الذي دوَّن الدواوين في العطاء، ورتّب الناس فيه على سوابقهم في الإسلام، كان لا يخاف في الله لومة لائم، وجمع الناس في صلاة التراويح على إمام واحد، وهو أول من أرّخ التاريخ الهجري، وكان العرب قبل ذلك يؤرخون بالوقائع.
واتخذ بيت مال للمسلمين، وأمر ببناء البصرة والكوفة والفسطاط، وكتب إلى عماله: إذا كتبتم لي فابدؤوا بأنفسكم. قال الزهري: كان عمر إذا نزل به الأمر المعضل دعا الشبان فاستشارهم، يبتغي حدة عقولهم، وكان نقش خاتمه: «كفى بالموت واعظاً يا عمر».
 
كان عمر ذا عبقرية فذة في تنظيم الجيوش وتسييرها، واختيار القادة والأمراء، ووضع الخطط الحربية، وفتح جبهات متعددة في الشمال والشرق والغرب، حتى تغلب على الروم والفرس أقوى دولتين في عصره، فكان الأمراء في الأمصار أبا عبيدة، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة، وخالد بن الوليد في الشام، وسعد بن أبي وقاص في القادسية ومحاربة الفرس، والمغيرة بن شعبة وسراقة بن عمر في فارس وبلاد الترك، وعمرو في فتح مصر، وغيرهم من قادة الفتح العظام، وأنشأ الجيش الإسلامي وأعده إعداداً جيداً ومتميزاً، ورغب في نظام التجنيد، وأغرى بالمرتبات، ورهّب من التقاعس والتقصير في أداء المهام، وأمد الجيوش بالعدة والعدد، وكان يقود العمليات العسكرية من مقر خلافته بالمدينة.
 
ونظم عمر شؤون الدولة الإسلامية الإدارية والسياسية، فقسم البلاد إلى أقاليم وولايات، وأحسن اختيار العمال والولاة فيها، يضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وأنشأ ديوان العطاء الذي عرف في العصر الأموي بديوان الجند، ومنذ أن أسس عمر ديوانه في المدينة وجد في الكوفة والبصرة والشام ومصر ديوانان، أحدهما بالعربية لإحصاء الناس وأعطياتهم، والآخر لوجوه المال بالفارسية في العراق والرومية في الشام، والرومية مع القبطية في مصر. ونظم الحياة الجديدة في الأقاليم للمسلمين وغيرهم، فساد النظام، وعم الأمن والسلام، وشمل العدل كل الناس، وانتعشت التجارة والكسب المشروع، وكثرت الأرزاق، وضمن للناس النقود الشرعية لمزاولة أعمالهم، وعين القضاة لفصل الخصومات والمنازعات بين الناس بالعدل ودون إبطاء. وربط الأقاليم المفتوحة بالمدينة المنورة عاصمة الدولة، وكان من سُنَّة عمر وسيرته أن يأخذ عماله بموافاة الحج في كل سنة للسياسة، وليحجزهم بذلك عن الرعية وليكون لشكاة الرعية وقتاً وغاية ينهونها فيه إليه، فكان عمر رجل الدولة الإسلامية من حيث التنظيم والإدارة والعدالة الاجتماعية من الناحية المدنية، كما كان القائد العسكري الأعلى، فاجتمع في شخصيته المجالان: المدني والعسكري معاً. وعني بمرافق الدولة في المدن والثغور ونحوها.
وكان يعتمد على الشورى فهو أول من منع الصحابة من مغادرة المدينة، لاستشارتهم، ويخضع للحق ويذعن لـه، ويقول على المنبر: «امرأة أصابت وأخطأ عمر» حين أراد تحديد المهور، وكان يطوف في الأسواق منفرداً، ويقضي بين الناس إذا أدركه الخصوم، ويتفقد الرعية ليلاً، ويقمع الغش، ويطارد الجناة، ويفضّل في الأعطيات بحسب ما يقدم المسلم للأمة، ويسوّي بين الناس في القضاء؛ كحادثة القصاص من جبلة بن الأيهم الذي لطم الأعرابي في الطواف وهشم أنفه، ويرفع الجزية عن الشيخ المعاهد الكبير وأمثاله، ويعاقب الشعراء الذين يقذعون في الهجاء، وقد أجلى اليهود من جزيرة العرب ما لم يكن لهم عهد من رسول الله ، لحديث «لا يجتمع في جزيرة العرب دينان» وأجلى أهل نجران بناءً على طلبهم.
 
وكان عمر شديداً على ولاته، يشاطرهم ما لديهم، فهو أول من وضع قانون «من أين لك هذا؟» واقتص من عمرو بن العاص والي مصر ومن ابنه الذي ضرب قبطياً، وترك تقسيم أراضي العراق ومصر والشام المفتوحة عنوة، ووضع الخراج عليها ليكون مورداً عاماً لجماعة المسلمين، ووضع العشور على الحربيين، وكانت الدراهم في عصره فارسية زاد في بعضها: «الحمد لله» أو «لا إله إلا الله وحده».
ورسالته لأبي موسى الأشعري في القضاء مشهورة محكمة، وكانت اجتهاداته الفقهية كثيرة، وآراؤه في الأخذ بمقتضى السياسة الشرعية حكيمة.
 
دامت خلافته عشر سنين وخمسة أشهر أو ستة، وكان شديداً في الحق ولما أسلم أصبح أشد المسلمين مجاهرة برأيه ودفاعاً عن دينه، وكان شديداً على ولاته وعلى كرامة المسلمين وعزة نفوسهم، وأحرص الناس على أموال المسلمين ومصالحهم. طعنه أبو لؤلؤة فيروز الفارسي «غلام المغيرة بن شعبة» غيلة، بخنجر في خاصرته له رأسان، في صلاة الصبح في المسجد النبوي، فعاش بعد الطعنة ثلاث ليال ثم قضى. وذلك يبين مبلغ الاستياء والسخط  الذي استولى على الفرس بعد زوال سلطانهم. توفي ودفن في الحجرة النبوية في المدينة مع أبي بكر.
 
 
 

أبو بكر الصديق

  
 
أبو بكر الصديق رضي الله عنة:
 
 هو : عبد الله بن عثمان المكنى بأبي قحافة بن عامر بن تَيْم بن مُرة من قريش، وأمه أم الخير، سلمى بنت صخر من بني تَيْم بن مُرّة، أول الخلفاء الراشدين، لقب بالعتيق لإكثاره من عتق العبيد، ولأن الرسول e بشره بأنه عتيق الله من النار، وسُمي صِدِّيقاً لأنه صدَّق الـرسول e ليلة أُسري به، وكان أبو بكر أعلم قريشٍ بأنسابها، وكان رجلاً تاجراً ذا خلق حميد، أليفاً ودوداً حسن المعاشرة، وكان يتولى في الجاهلية أمر الديات وينوب فيها عن قريش، فما تولاه من هذه الديات صدّقته قريش وقبلته، وما تولاه غيره خذلته وترددت في قبوله وإمضائه، وكان في جاهليته وإسلامه وقوراً يغار على مروءته ويتجنب ما يريب فلم يشرب الخمر قط لأنها مُخِلَّة بوقار مثله، ولما سُئل لمَ كان يتجنبها في الجاهلية قال: « كنت أصون عرضي وأحفظ مروءتي فإن من شرب الخمر كان مضيّعاً في عقله ومروءته »، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لعلمه وتجاربه وحسن مجالسته، فلما أسلم أبو بكر - وكان من أوائل من اعتنقوا الإسلام - أظهر إسلامه، وجعل يدعو إليه من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه عثمان بن عفان، والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله. وقد بقي أبو بكر في مكة إبان هجرة الكثير من المسلمين إلى الحبشة، وصحب الرسول يوم هاجر إلى المدينة، وآخى الرسول بينه وبين عمر بن الخطاب بعد الهجرة.
 
شهد أبو بكر بدراً وأُحُداً والمشاهد كلها، وكان فيمن ثبت مع رسول الله e في أُحد حين ولّى الناس، ودفع رسول الله e رايته العظمى يوم تبوك إليه. وكانت سوداء، وأمرَه أن يصلي بالناس في أثناء مرضه. بويع أبو بكر بالخلافة يوم قبض الرسول e سنة 11 هـ إِثر جَدَل دار بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة وقد حاول كل فريق إبراز حقه في تولي أمور الجماعة فحسم عمر بن الخطاب الجدل بأن تقدَّم هو وأبو عبيدة بن الجراح وقالا له: «...إنك أفضل المهاجرين وثاني اثنين إذ هما في الغار، وخليفة رسول الله على الصلاة، والصلاة أفضل دين المسلمين، فمن ذا ينبغي أن يتقدمك أو يتولى الأمر عليك أبسط يدك نبايعك». وسبقهما إليه بشير بن سعد الأنصاري فبايعه وقام إليه مبايعاً من كان حاضراً من الأوس والخزرج والمهاجرين وهذا ما تعارف المؤرخون على تسميته باسم البيعة الخاصة التي تلتها في اليوم التالي البيعة العامة في المسجد. ومع أن بيعة أبي بكر كانت أمراً مفاجئاً لا روية فيه ولم يستشر فيه كل المسلمين الموجودين في المدينة، وإنما بودر بها خوف وقوع الفتنة. فقد قال عمر في تعليل اختيار أبي بكر للخلافة كلمته المأثورة: «ليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر».
 

أبو بكر والردة:

حينما انتشر خبر مرض الرسول e إثر عودته من حجة الوداع سنة 10هـ، وهو غير مرض موته، وثب الأسود العنسي باليمن ومسيلمة الكذاب في اليمامة وطليحة في بلاد بني أسد، مرتدين عن الإسلام، وقد تم القضاء على الأسود العنسي قبل وفاة الرسول الكريم e واستفحل أمر مسيلمة وطليحة بعد وفاة الرسول، وارتدت قبائل كثيرة من العرب. ومع دقة موقف المسلمين في المدينة، فقد وقف أبو بكر من المرتدين ومدعي النبوة، كما وقف من أولئك الذين امتنعوا عن دفع الزكاة موقفاً واحداً صارماً، ذلك أن مفهوم الإيمان والدولة ووحدة كلمة العرب ومحو العصبية القبلية وإحلال الوحدة الدينية محلها، كانت عند أبي بكر كُلاً لايتجزأ، ومن ثم قرر محاربة المرتدين جميعاً. ولما كان الذين ثبتوا على الإسلام قلة بالقياس إلى من ارتد، فإن الناس نصحوا الخليفة ألا يحارب الممتنعين عن دفع الزكاة «لأن العهد حديث والعرب كثير، وهم شرذمة قليلة ولا طاقة لهم بالعرب كلهم. فكان جواب أبي بكر أنه سمع رسول الله e يقول: «أمرت أن أقاتل الناس على ثلاث، شهادة أن لا إله إلا الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فوالله الذي لا إله إلا هو لا أقصّر دونهم». وقد حمد له عمر بن الخطاب رأيه فيما بعد قائلاً: «أنا فداؤك لولا أنت لهلكنا».

 
حاول أبو بكر إقناع المرتدين بالعودة إلى الإسلام الصحيح عن طريق الرسل والكتب كما كان يفعل رسول الله e إلى أن رجع أسامة بن زيد من تخوم الشام، إلا ما كان من أهل ذي حساً وذي القصَّة. إذ إن مجموعة من القبائل اجتمعت على طليحة وأقامت في ذي القصَّة، وبعثوا وفوداً إلى المدينة تعلم لأبي بكر أنهم مقيمون على الصلاة ممتنعون عن دفع الزكاة، فرفض أبو بكر الاستجابة إلى طلبهم، وقد أيقن بأنهم سوف يهاجمون المدينة لأنهم رأوا المسلمين قلة، وكان هذا ما حدث، إذ عمد فريق منهم إلى مهاجمة المدينة ليلاً وبقي فريق بذي حساً. استطاع من في المدينة أن يردّوا المهاجمين وأن يتتبعوهم إلى ذي حسا، ولكنهم اضطروا إلى الرجوع حينما نفرت إبلهم، فظن القوم بالمسلمين الوهن، وبعثوا إلى القبائل المقيمة بذي القصَّة أن يقدموا عليهم وأدرك أبو بكر حرج موقف المسلمين إذا ما تعرضوا لهجوم القبائل متكاتفة، فبات يتهيأ، ثم خرج إليهم ليلاً، فما طلع الفجر إلا وقد باغت المسلمون المرتدين ووضعوا فيهم السيوف، وما إن بزغت الشمس حتى ولوهم الأدبار واتبعهم أبو بكر حتى نزل بذي القصَّة، وترك بها النعمان بن مقرِّن مع عدد من الرجال ورجع إلى المدينة، فوثب بنو ذبيان وعبس على من فيهم من المسلمين فقتلوهم، وفعلت قبائل أخرى فعل عبس وذبيان، فحلف أبو بكر «ليقتُلَّنَّ في المشركين كل قتلةٍ، وليقتلن في كل قبيلة بمن قتلوا من المسلمين وزيادة». فلما قدم أسامة بن زيد استخلفه أبو بكر على المدينة وخرج إلى الربَذَة ليلقى بني عبس وذبيان وجماعة من بني عبد كنانة فلقيهم بالأبرق، فقاتلهم وهزمهم ثم عاد إلى المدينة، فلما استجم جند أسامة عقد الألوية، فعقد أحد عشر لواء لأحد عشر قائداً، وكتب نسخاً من رسالة واحدة إلى جميع المرتدين، وبعث بها مع الرسل أمام الجنود، وأمر الرسل بقراءة الكتب في كل مجمع لهم والداعية الأذان. فإذا أذن المسلمون فأذنوا فليكفوا عنهم وإن لم يؤذنوا فليعاجلوهم، وإن أذنوا وسألوهم ما عليهم فأبَوا فليعاجلوهم وإن اقرّوا قُبِل منهم.
إن القائد الذي كان له الفضل في القضاء على أخطر حركتين بعد ردة الأسود العنسي هو خالد بن الوليد، الذي انتصر على طليحة ومن اجتمع حوله من أسد وعبس وذبيان وغطفان في البُزاخَةَ، أما مسيلمة الكذاب ومن اتبعه من قومه من بني حنيفة وأهل اليمامة فإن أبا بكر كان قد أرسل إليه عِكْرِمة بن أبي جهل، وأتبعه بشرحبيل بن حسنة، فلما هُزم عكرمة كتب أبو بكر إلى شرحبيل أن يظل في مكانه حتى ياتيه خالد، ولكن شرحبيل لم ينتظر خالداً كما أمره أبو بكر فنُكب مثلما نُكب عكرمة، إذ إن جيش بني حنيفة كان يقدّر بأربعين ألف مقاتل. وازداد قوة بتحالف مسيلمة مع سجاح بنت الحارث بن سويد التميمية التي أقبلت من الجزيرة مدعية النبوة. ولكن فاجأهم قدوم خالد وجرت بين الطرفين معركة ضارية بعقرباء وفي حديقة الموت وانتهى القتال بمصرع مسيلمة وانطفأت الفتنة. نجح أبو بكر في نحو عام في القضاء على حركة المرتدين فكان نجاحه تنقية للإسلام لأنه خلص الدولة الإسلامية الناشئة من كل الشكوك التي أثارها موت الرسول e وجنبها الخوف من أن يتصدع البنيان بموت الباني، كما كان تثبيتاً للإسلام ومداً له إلى الأطراف التي بدا كأنها لم تكن قد لقنت الدين كما لقنته المراكز القريبة من مكة والمدينة، ولكن أبا بكر بقي بعدها وفي كل الغزوات والفتوحات التي تمت في عهده، لايثق بالمرتدين، وكان لايستعين في حروبه بأحد منهم حتى مات.

    
الفتوح في خلافة أبي بكر:
 

 إن فكرة الفتح ونشر الإسلام خارج حدود الجزيرة العربية فكرة تتفق وعمومية الدعوة التي تقتضي ألا تقتصر على عرب الجزيرة فحسب بل تتجاوزهم لتشمل العرب كافة، وأمم الأرض جميعاً، وقد سار الرسول في طريق الجهاد داخل أراضي الجزيرة وخارجها، وقام هو نفسه بإرسال البعوث إلى تخوم الشام. فكانت  مؤتة، وتبوك. وبعث أسامة بن زيد الذي جهزه الرسول بنفسه قبل أن يتوفى، وأنفذه أبو بكر فور أن بويع بالخلافة، ولذلك فإنه لم يكن خالد يفرغ من حروب الردة حتى كتب إليه أبو بكر وهو في اليمامة أن يمضي إلى العراق فيدخلها من أسفلها، وكتب كذلك إلى عياض بن غنم أن يأتي المصيَّخ ويدخل العراق من أعلاها وأيهما سبق إلى الحيرة فهو أمير على صاحبه, وقد كان الهدف الأول للجيوش الإسلامية أن تبلغ الحيرة عاصمة عرب الضاحية حتى تنزلها وتنفي الفرس عنها، وتجعل الطريق بينها وبين الحجاز آمنة لاسلطان فيها لأجنبي، ثم تقتحم على أهل فارس دارهم ومستقر عزهم المدائن.
كانت أولى المعارك التي خاضها خالد بن الوليد وانتصر فيها معركة ذات السلاسل في الكاظمية سنة 12 هـ. ثم تلتها معركة المذار، فوقعة الولَجة وفتح ألَّيس وأمغيشيا، ثم سار خالد إلى الحيرة وأرغم أهلها على المفاوضة والصلح ودفع الجزية، واستولى على الأنبار حينما علم أن الفرس يعدون جيوشهم ويرتبونها لوقف زحفه. واضطر شيرزاد صاحب الأنبار عندما وجد أن لاقبل له بالثبات أمام خالد إلى مصالحته على ما أراد على أن يخلي سبيله. وبعد أن فرغ خالد من فتح الأنبار، قصد عين التمر فدانت له ثم كانت معارك دومة الجندل والحُصيد والخنافس والثنيّ والفراض. ثم خرج حاجاً لخمس بقين من ذي القعدة سنة 12 هـ مكتتماً حجه، ووافاه كتاب أبي بكر بالحيرة منصرفه من الحج، يأمره بالتوجه إلى الشام مدداً لجيوشها التي كان أبو بكر قد سيرها إلى هناك، ويمكن أن يميز في الروايات الكثيرة أنها تنتظم مرحلتين: في المرحلة الأولى: تركز نشاط القادة العرب على المناطق التي كانت القبائل العربية تؤلف الكثرة السكانية فيها خاصة، وليس على مدن الشام الرئيسية ورواية ابن أعثم الكوفي تشير إلى أن أبا بكر أمر أبا عبيدة بن الجراح أن يقصر حروبه على مناطق الريف وأن لايهاجم المدن حتى يأتيه أمر أبي بكر «فبث خيلك في القرى والسواد ولاتحاصرن مدينة من مدنهم حتى يأتيك أمري» وهذا يفسر لنا عدم اهتمام المصادر اليونانية والسريانية بذكر منجزات الجيوش الإسلامية في هذه المرحلة، لأن المسلمين في نظرهم لم يكونوا مصدر تهديد لهم، لأنهم لم يقوموا بأي هجوم على المدن الرئيسة كدمشق والقدس وغزة وبصرى أو المدن الساحلية المهمة الكثيرة، أما في المرحلة الثانية: فقد اشتبك الجيش الإسلامي مع القوى البيزنطية في معارك كبيرة، انتهت بتغلبه على بلاد الشام ومطاردة البيزنطيين، وفتحت له في الشمال الطريق إلى الجزيرة وما وراءها وفي الجنوب الطريق إلى مصر وما دونها.
تبدأ المرحلة الثانية مع مجيء خالد وجيشه إلى الشام حيث التقى يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسَنة في بصرى واشترك معهم في فتحها، ثم اتجه الجميع جنوباً لنجدة عمرو بن العاص في وادي عربة، ولما علم البيزنطيون بهذا التجمع العسكري العربي، غيروا خطتهم، وقصدوا أجنادين، ولكن القوات العربية تمكنت من الانتصار عليهم انتصاراً ساحقاً في جمادى الأولى سنة 13 هـ، وتوفي أبو بكر في جمادى الآخرة وهو ابن 63 سنة بعد أن عهد بالخلافة إلى عمر بن الخطاب الذي صلى عليه، ودُفن أبو بكر إلى جانب رسول الله e وكان قد أوصى ابنته عائشة أن يدفن إلى جانبه.
مع قصر مدة خلافة أبي بكر (11- 13هـ) فقد كان له فضل ترسيخ أركان الدولة العربية الإسلامية الوليدة، كما قنّن بأقواله وخطبه القواعد التي اعتمدها الفقهاء في وصفهم للخلافة الصحيحة، فقد أوضح أبو بكر أن الخلافة نظام يتولى صاحبه رعاية التراث الديني والمدني حينما قال: «لابد لكم من رجل يلي أمركم ويصلي بكم ويقاتل عدوكم»، كما حدد أبو بكر سلطة الخليفة بالرأي العام مع تقييدها بدستور الإسلام وهو القرآن والسنة عندما خاطب المسلمين في المسجد قائلاً: «.... أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم» وأكد أبو بكر إدراكه لحدود سلطاته في خطاب آخر قال فيه: «... إن الله اصطفى محمداً على العالمين وعصمه من الآفات وإنما أنا متبع ولست بمبتدع فإذا استقمت فأعينوني وإن زغت فقوّموني».
نهض أبو بكر بالتبعات التي ألقتها عليه خلافته لرسول الله e على خير وجه فحرص على إنفاذ ما أمر الرسول به قبل وفاته كما حرص على وحدة المسلمين بعد وفاته، وعلى ما عرف به من لين ورحمة أظهر غاية الحزم والشدة في محاربة المرتدين على الإسلام، فقد أصر على تسيير جيش أسامة لأن النبي e ولاه وأمر بتسييره وما يكون له أن ينزع رجلاً استعمله رسول الله e «ولو تخطفته السباع ولم يبق في القرى أحد غيره»، وجنح أبو بكر إلى الصرامة في مسألة الردة وأبى أن يترك عقالاً مما كان يأخذه رسول الله e من فريضة الزكاة، ورفض أبو بكر عزل خالد بن الوليد عن القيادة حينما اقترح عمر بن الخطاب عزله إثر بنائه بامرأة مالك بن نويرة، والبناء ببنت مجّاعة في حرب بني حنيفة، وتوزيع الأموال وتأخير الحساب، لأن خالداً سيف من سيوف الله ولا يعزل أبو بكر من استعمله الرسول e وأقر عمر فيما بعد بصواب رأي أبي بكر حينما قال: «يرحم الله أبا بكر، هو كان أعلمَ مني بالرجال».
 
ويعود إلى أبي بكر الفضل بجمع القرآن في المصحف حين أشار به عمر بعد أن استحرّ القتل بالقرّاء يوم اليمامة، وأسند أبو بكر هذه المهمة الدقيقة إلى زيد بن ثابت، وكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر ثم عند حفصة ابنة عمر.

المشاركات الشائعة

مشاركة مميزة

الفارابي فيلسوف المدينة الفاضلة : حياته و دراساته

من هو الفارابي و أين ولد ؟ الفيلسوف أبو ناصر الفارابي هو محمد بن محمد بن طرخان، و المعروف في الغرب باسم ألفرابيوس. ولد في ما يعرف الآن بكازا...