جاليليو… المذنب البريء

 

"ياليتنى أحرقت كل ما كتبت بيدى حتى لا أشهد يوم محاكمتى هذا" هكذا قال العالم الفيزيائى "جاليليو جاليلى" أحد أهم الفيزيائيين على مر العصور، قبل محاكمته عام 1611 لاتهامه بالهرطقة من قبل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، لأنه أثبت مركزية الشمس من خلال تليسكوبه المطور، وهو ما يعارض معتقدات الكنيسة وفقاً لتفسيرها لنصوص الإنجيل التى نصت على أن الأرض هى محور الكون وأن جميع الأجرام السماوية تدور حولها وفقا لآراء "بطليموس"، كما كانت تعتقد أن عدد الكواكب هو سبعة فقط مستشهدة بعدد أيام الأسبوع السبعة وعدد فتحات رأس الإنسان السبعة مما يعطينا صورة واضحة عن ضحالة الفكر خلال هذه الفترة التى شهدت محاكم التفتيش وعقوبات صارمة مميتة لكل من يفكر فى معارضة الكنيسة، وقامت محاكم التفتيش بإجبار "جاليليو" على التراجع عن أقواله العلمية ثم حكموا عليه بالحبس المنزلى إلى أن فقد بصره ومات.

"أنا المدعو جاليليو جاليلى، ابن فنشنزو جاليلى من سكان فلورنسه، وأبلغ من العمر سبعين عاما، أقسم إننى آمنت بكل معتقدات الكنيسة الكاثوليكية الرسولية بروما، وسأؤمن مستقبلا بكل تعاليمها وما تبشر به، وأعلن ندمى عن كل الأفكار والهرطقات التى أدليت بها مسبقا، وعن كل ما اقترفته فى حق الكنيسة، وأقسم ألا أعود إلى مثل هذه الأفعال مرة أخرى، وأن أشهد أمام هذه الهيئة المقدسة ضد أى شخص يقترف فعل الهرطقة أو المساس بمعتقدات الكنيسة فور علمى بذلك"

هذا نص ما قاله جاليليو حسب وثائق الكنيسة الكاثوليكية الرسولية فى روما، بالرغم من الصراع الرهيب الذى كان يعانيه "جاليليو" أثناء قسمه، وبالرغم من الألم الذى كان يدمى قلبه وهو يدلى بهذا الاعتراف الخطير الذى يتعارض مع كل ما آمن به طوال سنوات عمره السبعين، فإن ذلك كان يبدو غير كاف لهيئة المحكمة.
 
مسيرة علمية:
ولد "جاليليو جاليلي" فى الخامس عشر من شهر فبراير 1564، بمدينة "بيزا" فى إيطاليا لأب ماهر فى الرياضيات والموسيقى يدعى "فنشنزو جاليلي"، أراد لولده أن يعمل بمجال يكسبه مالا فألحقه بجامعة "بيزا" لدراسة الطب، وسرعان ما استطاع "جاليليو" إثبات تفوقه بها وبالدرجة التى مكنته من إلقاء محاضرات بالجامعة بعد ثلاث سنوات فقط، ثم أصبح أستاذا للرياضيات فى "بادو"، وفى ذلك الوقت كانت تجربته الشهيرة التى شهدتها هيئة التدريس بالجامعة بخصوص سقوط الأجسام هى سر ارتباط اسم "جاليليو" ببرج "بيزا" المائل، حين قرر إلقاء كرتين مختلفتين فى الوزن من أعلى قمة البرج ليؤكد عمليا وصولهما معا إلى سطح الأرض فى نفس الوقت، وتوصل "جاليليو" إلى ثبات دورة البندول عام 1582 واستطاع فيما بعد استخدام البندول لقياس الزمن ونبض المرضى، وفى عام 1593 قام "جاليليو" باختراع الترمومتر لقياس درجة حرارة الجو وكان على هيئة أنبوب أعلاه كرة زجاجية مجوفة ومنكس فى حوض به ماء ملون، وفى عام 1609، قام "جاليلو" بتصميم التليسكوب الانكسارى الخاص به وهو يعتبر تطويرا لاختراع التليسكوب الذى ظهر عام 1608 مكنه من متابعة الأجرام السماوية بدقة أكبر بمقدار عشرة أضعاف ما كان متاحا وقتها.
 
اعتراف الكنيسة الكاثوليكية بخطئها:
أدت محاكمة جاليليو أمام محكمة التفتيش بالفاتيكان إلى مناقشات طويلة عبر التاريخ، حتى أعلنت الكنيسة عام 1992 اعترافها بصحة ما جاء به "جاليليو" واعتذرت عن حكمها السابق، لينال حكما بالبراءة بعد وفاته، وفى عام 2008، قام الفاتيكان بإتمام تصحيح أخطائه تجاه جاليليو، وقام بوضع تمثال له داخل جدران الفاتيكان.